فصل: سورة العاديات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.سورة العاديات:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 5):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} [1- 5].
{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً} إقسام بخيل الغُزاة التي تعدُو نحو العدوِّ، فتضبح، والضبح: صوت أنفاسِها إذا عدت. وليس المراد بالصوت الصهيل. بل قولها: اح اح، كما قاله ابن عباس. ونصب {ضَبْحاً} إما بفعله المحذوف، أو بالعاديات لإفادته معناه، أو بالحالية.
{فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً} أي: تورى النار بحوافرها. والقدح هو الضرب لإخراج النار، والإيراء يترتب عليه، لأنه إخراج النار وإيقادها، فإيراؤها ما يرى من صدم حوافرها للحجارة، وتسمى نار الحباحب. ولما كان مرتباً على عدوْها عطفهُ بالفاء، وكون المراد به الحرب بعيد. وفي إعرابه الوجوه السابقة.
{فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً} أي: تغير على العدوّ في وقته. يقال: أغار على العدوّ، إذا هجم عليه ليقتله أو يأسره أو يستلب ماله.
قال الإمام: وهو وصف عرض للخيل من الغاية التي أجريت لها، أي: أنها تعدو ويشتد عدوها حتى يخرج الشرر من حوافرها، لتهجم على عدوّ وقت الصباح، وهو وقت المفاجأة لأخذ العدو على غير أهبة.
{فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} أي: فأهجن بذلك الوقت غباراً من الإثارة، وهي التهييج وتحريك الغبار ونحوه ليرتفع. والنقع: الغبار كما ذكرنا، وورد بمعنى الصياح، فجوّز إرادته هنا بمعنى صياح من هجم عليه، وأوقع به. لا صياح المغير على المحارب، وإن جاز على بُعد فيه، أي: هيجن الصياح بالإغارة على العدوّ، وضمير {بِهِ} للوقت والباء ظرفية. وفيه احتمالات أخر ككونه للعدو أو للإغارة، لتأويلها بالجري. فالباء سببية أو للملابسة. ويجوز كونها ظرفية أيضاً. والضمير للمكان الدال عليه السياق، للعلم بأن الغبار لا يثار إلا من موضع. وهو الذي اختاره ابن جرير.
قال الشهاب: وذكر إثارة الغبار، للإشارة إلى شدة العدو وكثرة الكرّ والفرّ. وتخصيص الصبح لأن الغارة كانت معتادة فيه، أي: لمباغتة العدوّ. والغبار إنما يظهر نهاراً. وأثرن معطوف على ما قبله.
قال الناصر: وحكمة الإتيان بالفعل معطوفاً على الاسم الذي هو العاديات أو ما بعدهُ، لأنها أسماء فاعلين تعطي معنى الفعل. وحكمة مجيء هذا المعطوف فعلاً عن اسم فاعل، تصوير هذه الأفعال في النفس. فإن التصوير يحصل بإيراد الفعل بعد الاسم لما بينهما من التخالف. وهو أبلغ من التصوير بالأسماء المتناسقة. وكذلك التصوير بالمضارع بعد الماضي.
وقوله تعالى: {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} أي: فتوسطن ودخلن في وسط جمع من الأعداء، ففرقته وشتته. يقال: وسطت القوم بالتخفيف، ووسطته بالتشديد، وتوسطتهُ بمعنى واحد. وفي الضمير الوجوه المتقدمة.
قال الإمام رحمه الله: أقسم تعالى بالخيل متصفة بصفاتها التي ذكرها آتية بالأعمال التي سردها؛ لينوه بشأنها ويعلي من قدرها في نفوس المؤمنين أهل العمل والجد؛ ليعنوا بقنيتها وتدريبها على الكر والفر، وليحملهم أنفسهم على العناية بالفروسية والتدرب على ركوب الخيل، والإغارة بها؛ ليكون كل واحد منهم مستعداً في أي: وقت كان، لأن يكون جزءاً من قوة الأمّة إذا اضطرت إلى صدّ عدو، أو بعثها باعث على كسر شوكته. وكان في هذه الآيات القارعات، وفي تخصيص الخيل بالذكر في قوله:
{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]، وفيما ورد من الأحاديث التي لا تكاد تحصر ما يحمل كل فرد من رجال المسلمين على أن يكون في مقدمة فرسان الأرض مهارة في ركوب الخيل، ويبعث القادرين منهم على قنية الخيل على التنافس في عقائلها، وأن يكون فن السباق عندهم يسبق بقية الفنون إتقاناً. أفليس أعجب العجب أن ترى أمماً، هذا كتابها، قد أهملت شأن الخيل والفروسية، إلى أن صار يشار إلى راكبها بينهم بالهزؤ والسخرية؟ وأخذت كرام الخيل تهجر بلادهم إلى بلاد أخرى.
ثم قال: يقسم الله بالخيل صاحبة تلك الصفات التي رفع ذكرها، ليؤكد الخبر الذي جاء في قوله:

.تفسير الآيات (6- 8):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [6- 8].
{إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} أي: كفور يكفر نعمه ولا يشكرها، أي: لا يستعملها فيما ينبغي ليتوصل بها إليه.
قال الهايميّ: أي: لكفور، فيوجب قتله بهذه الخيول وقهره بهذاالغضب. وعن أبي أمامة: الكنود الذي يأكل وحده، ويضرب عبده، ويمنع رفده.
{وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} أي: وإن الْإِنْسَاْن على كنوده لشهيد يشهد على نفسه به، لظهور أثره عليه. فالشهادة مستعارة لظهور آثار كفرانه وعصيانه بلسان حاله.
قال القاشاني: لشهادة عقله ونور فطرته إنه لا يقوم بحقوق نعم الله، ويقصر في جنب الله بكفرانه.
{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} أي: وإنه لحب المال والدنيا وإيثارها لقويّ، ولحب تقوى الله وشكر نعمته ضعيف متقاعس، وإنهُ لحب الخير الموصل إلى الحق شديد منقبض، غير هش منبسط. أو اللام للتعليل، أي: إنه لأجل حب المال بخيل، فلذلك يحتجب به غارزاً رأسه في تحصيله وحفظه وجمعه ومنعه، مشغولاً به عن الحق، معرضاً به عن جنابه.

.تفسير الآيات (9- 11):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ} [9- 11].
{أَفَلَا يَعْلَمُ} أي: أبعدهذا الاحتجاب ومخالفة العقل، ولا يعلم بنور فطرته وقوة عقله {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ} أي: بعث وأثير ما في القبور وإخراج موتاها.
{وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} أي: أظهر وأبرز ما في صدورهم ونفوسهم من أسرارهم ونياتهم المكتومة فيها، من خير أو شر.
{إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ} أي: عالم بأسرارهم وضمائرهم وأعمالهم، فيجازيهم على حسبها يومئذ. وتقديم الظرف، إما لمكان نظم السجع ورعاية الفواصل، أو للتخصيص لوقوع علمه تعالى كناية عن مجازاته، وهي إنما تكون يومئذ.
قال الرازيّ: وإنما خص أعمال القلوب بالتحصيل دون أعمال الجوارح، لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب، فإنه لولا البواعث والإرادات في القلوب، لما حصلت أفعال الجوارح، ولذلك جعلها تعالى الأصل في الذم فقال: {آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] والأصل في المدح فقال: {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2].

.سورة القارعة:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 5):

القول في تأويل قوله تعالى: {الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} [1- 5].
{الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ} قال أبو السعود: القرع هو الضرب بشدة واعتماد، بحيث يحصل منه صوت شديد، وهي القيامة. سميت بها لأنها تفزع القلوب والأسماع بفنون الأفزاع والأهوال، وتخرج جميع الأجرام العلوية والسفلية من حال إلى حال: السماء بالانشقاق والانفطار، والشمس والنجوم بالتكوير والانكدار والانتثار، والأرض بالزلزال والتبديل، والجبال بالدك والنسف.
وهي مبتدأ خبره قوله تعالى: {مَا الْقَارِعَةُ} على أن ما الاستفهامية خبر والقارعة مبتدأ، لا بالعكس؛ لأن محط الفائدة هو الخبر لا المبتدأ. ولا ريب في أن مدار إفادة الهول والفخامة هاهنا هو كلمة ما، لا القارعة أي: أي: شيء عجيب هي في الفخامة والفظاعة؟ وقد وضع الظاهر موضع الضمير تأكيداً للتهويل.
وقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} تأكيد لهولها وفظاعتها، ببيان خروجها عن دائرة علوم الخلق، على معنى أن عظم شأنها ومدى شدتها بحيث لا تكاد تناله دراية أحد، حتى يدريك بها، أي: وأي شيء أعلمك ما شأن القارعة؟ ولما كان هذا منبأ عن الوعد الكريم بإعلامها، أنجز ذلك بقوله تعالى: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} أي: هي يوم يكون الناس فيه كالفراش المبثوث في الكثرة والانتشار، والضعف والذلة والاضطراب، والتطاير إلىالداعي، كتطاير الفراش إلى النار. فـ: {يَوْمَ} خبرمحذوف بني على الفتح لإضافته إلى الفعل، أو هو منصوب بإضمار اذكر، كأنه قيل بعد تفخيم أمر القارعة وتشويقه عليه الصلاة والسلام إلى معرفتها: اذكر يوم يكون الناس.
{وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} أي: كالصوف المندوف في تفرق أجزائها وتطايرها في الجو. ولما كان من المعلوم أن ذلك اليوم هو اليوم الذي تبتدئ فيه الحياة الآخرة، وفيها تعرف مقادير الأعمال وما تستحقه من الجزاء، رتب عليه قوله تعالى:

.تفسير الآيات (6- 11):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ} [6- 11].
{فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} قال ابن جرير: أي: فأما من ثقلت موازين حسناته، يعني بالموازين الوزن. والعرب تقول: لك عندي درهم بميزان درهمك، ويقولون: داري بميزان دارك ووزن دارك، يراد حذاء دارك. قال الشاعر:
قد كنتُ قبل لقائكم ذا مِرَّة ** عندي لكلِّ مخاصم ميزانُهُ

يعني بقوله: ميزانه كلامه وما ينقض عليه حجته. وكان مجاهد يقول: ليس ميزان إنما هو مثل ضرب. انتهى.
وعليه فالموازين جمع ميزان. وجوز كونهُ جمع موزون، وهو العمل الذي له خطر ووزن عند الله تعالى. ومعنى قوله:
{فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} أي: في عيشة قد رضيها في الجنة، فـ: {رَّاضِيَةٍ} بمعنى مرضية على التجوز في الكلمة نفسها أو في إسنادها، أو استعارة مكنية وتخييلية.
{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} أي: وزن حسناته.
{فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} أي: فمأواه ومسكنه الهاوية التي يهوي فيها على رأسه في جهنم.
قال الشهاب: فسمى المأوى أُمّاً على التشبيه تهكماً؛ لأن أم الولد مأواه ومقره. وفي التأويلات: قيل المراد أم رأسه، أي: يلقى في النار منكوساً على رأسه. انتهى.
والأول هو الموافق لقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ} فإنه تقرير لها بعد إبهامها، والإشعار بخروجها عن الحدود المعهودة للتهويل. أصل {مَا هِيَهْ}
ماهي، كناية عن الهاوية فأدخل في آخرها هاء السكت وقفاً. وتحذف وصلاً، وقد أجيز إثباتها مع الوصل.

.سورة التكاثر:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 8):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [1- 8].
{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} أي: شغلكم التباهي بالكثرة في المال والولد ونحوهما، فيقول هذا: أنا أكثر منك مالاً، والآخر: أنا أكثر منك ولداً، وهكذا مما يصرف عن الجد في العمل، ويطفئ نور الاستعداد وصفاء الفطرة والعقل والكمالات المعنوية الباقية، ذهب بكم التفاخر والتباهي بهذه الأمور الفانية، من كثرة الأموال والأولاد، وشرف الآباء والأجداد كلَّ مذهب {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} أي: حتى هلكتم ومتم وصرتم من أصحاب القبور، فأفنيتم عمركم في الأعمال السيئة وما تنبهتم طول حياتكم إلى ما هو سبب سعادتكم ونجاتكم. وزيارة القبور عبارة عن الموت.
روى الزمخشري شواهد لها: قال الشهاب: وفيها إشارة إلى تحقق البعث؛ لأن الزائر لابد من انصرافه عما زاره، ولذا قال بعض الأعراب لما سمعها: بعثوا وربِّ الكعبة! وقال ابن عبد العزيز: لابد لمن زار، أن يرجع إلى جنة أو نار. وسمى بعض البلغاء المقبرة دهليز الآخرة.
{كَلَّا} ردع عن الاشتغال بالتكاثر، وتوهم أن الفوز بالتفاخر. فإن الفوز بالتناصر على الحق والتحلي بالفضائل {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} أي: مغبة ما أنتم عليه في الاخرة من وخامة عاقبة الاشتغال بهذه الشهوات السريعة الزوال، العظيمة الوبال، لبقاء تبعاتها.
{ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} تكرير للتأكيد، و{ثُمَّ} للدلالة على أن الثاني أبلغ من الأول. أو الأول عند الموت، والثاني عند النشور.
{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} أي: لو تعلمون ما بين أيديكم من الجزاء علم الأمر اليقين، لكان ما لا يدخل تحت الوصف من الندم والتحسر على فوات العمر العزيز في التكاثر والذهول عن الحق به. واليقين بمعنى المتيقن، صفة لمحذوف، أو صفة للعلم، على أنه من إضافة الصفة للموصوف، وحذف جواب {لَوْ} يطلبهُ العقل من الشرط وما سبقه، ليستحكم فيه فضل استحكام.
وقوله تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} جواب قسم مضمر، أكد به الوعيد، وشدد به التهديد، وأوضح به ما أنذروه تفخيماً.
{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} أي: الرؤية التي هي نفس اليقين، فالعين هنا بمعنى النفس، كما في: جاء زيد عينه، أي: نفسه. وإنما كانت نفس اليقين، لأن الانكشاف بالرؤية والمشاهدة، فوق سائر الانكشافات، فهو أحق بأن يكون عين اليقين. والتكرير للتأكيد.
قال الإمام: وكني برؤية الجحيم عن ذوق العذاب فيها، وهي كناية شائعة في الكتاب العزيز: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} أي: عن النعيم الذي ألهاكم التكاثر به والتفاخر في الدنيا ماذا عملتم فيه، ومن أين وصلتم إليه، وفيم أصبتموه، وماذا عملتم به؟ ويدخل في ذلك ما أنعم عليهم من السمع والبصر وصحة البدن.
قال ابن عباس: النعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار. قال: يسأل الله العباد فيم استعملوا وهوأعلم بذلك منهم. وهو قوله:
{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 36]، قال ابن جرير: لم يخصص في خبره تعالى نوعاً من النعيم دون نوع، بل عمّ، فهو سائلهم عن جميع النعيم، ولذا قال مجاهد: أي: عن كل شيء من لذة الدنيا. وقال قتادة: إن الله عزوجل سائل كل عبد عما استودعه من نعمه وحقه.